عبد الله سلمي كان خائنا المجاهد بلعباس دلدولة شخصية معروفة مغاربيا، ارتبط اسمه بالمتاحف والبحث والتنقيب عن الآثار وهو ما أنسى الخلق أنه من أوائل مجاهدي المنطقة، كما أنه أول مير في تاريخ الجلفة، حيث تم تعيينه رئيس بلدية الجلفة سنة 1962 من طرف قيادة الثورة، وهو من مواليد 1918، وكان من المقربين والمحببين جدا للعقيد شعباني، حيث كان يناديه "يا أبتي". والحاج بلعباس دلدولة، الذي يعيش مرحلة أرذل العمر بعدما بلغ من الكبر والمرض والنكران عتيا، زارته "البلاد" في بيته وكان لنا معه كلام كبير عن الثورة وعن قصته بداية من دراسته في المدينة المنورة سنة 1952 حتى أواخر 1955، حيث دخل إلى منطقته بعدما درس العلوم الشرعية بناء على بعثة من جمعية العلماء المسلمين، ليلتحق بالثورة بمجرد أن عاد من الهجرة، وذلك إثر تلقيه رسالة من جبل بن ساعد سنة 1956 من طرف الحسين بن سالم مسؤول المنطقة حينها، والتي تم فيها تكليفه بجمع الأموال والسلاح للثورة عبر تشكيل مجلس ثوري مدني، يتحرك وسط المواطنين، ويقوم بتجنيدهم.
خلية بلعباس تم اكتشافها سنة 1956 ليتم سجن الحاج دلدولة من طرف الفرنسيين ويفرج عنه بعد سنتين من إلقاء القبض عليه، لتقوم الجبهة بترحيله إلى فرنسا سنة 1959 خوفا عليه من "بلونيس" الذي أهدر دمه. المجاهد بلعباس عاد بعدها إلى الجزائر وشارك سنة 1960 في مظاهرات العاصمة لينظم أول مظاهرة بالجلفة سنة 1961 مطالبا بالاستقلال. في الرابع من جانفي 1962 فككت السلطات الاستعمارية شبكة أسلحة، وتم الكشف عن عناصرها الذين كان أهمهم الحاج بلعباس ليتم القبض والحكم عليه بالإعدام في 19 فيفري 1962، ليخفف الحكم إلى السجن المؤبد، ويتم نقله إلى سجن البروافية وينقذه استقلال البلاد من الفناء بين أربعة جدران.. هذه حكاية الحاج دلدولة بلعباس، مجاهد غادر السجن ليكون أول مير لبلدية الجلفة، ويكلف من طرف العقيد شعباني قائد الناحية السادسة بتنظيم حفل كبير يليق بمقام الاستقلال، وكان حفل الشارف تحت إشرافه، حيث شارك فيه أكثر من 500 جندي بلباس عسكري موحد، كان المجاهد "بوشيبة" قد استولى عليه خفية من حاوية فرنسية موجهة إلى عساكر الأغواط في قطار السكة الحديدية، المهم أن الحاج بلعباس، الذي يعاني نكرانا بعدما تفرق عنه الأصحاب والرفاق ويعيش عزلة في بيته، حدثنا عن كل شيء وحينما وصلنا إلى قصة عبد الله السلمي والبشير الأغواطي، قال إن المعنيين خُونا ومن بـقايا "بلونيس"، لكنه لم ينف أن العقيد شعباني قد أعطاهما الأمان، كما لم ينف أن شعباني بارك أمام الناس في احتفال الشارف عبد الله السلمي ووصفه بالوطني والشجاع والأخ.
وعن حكاية الانقلاب عليهم وإبادتهم برر الحاج بلعباس القضية بأن شعباني تعرض لضغوط من طرف الشعب ومن طرف ضباط جيش التحرير، وهو ما أدى به إلى النكث بعهده وعهد العلماء والمشائخ الذين نفى بلعباس دلدولة استعانة شعباني بهم، رغم أن كافة الشهود والشخصيات يؤكدون واقعة الزج بالمشائخ والعلماء في خديعة أدت إلى مذبحة..
الرائد عمر صـخري مطلوب للتأريخ لأن التاريخ لا يملكه أحد، فإن تداول اسم الرائد عمر صخري كشاهد وحاضر رئيسي في الواقعة أثناء تحقيقنا هذا، فرض علينا محاولة الاتصال به دون جدوى، وتبقى شهادة الرائد صخري ضرورية خدمة للتاريخ. فرغم أن الجميع يتكلم عن بشاعة ما حدث في شهر جوان من سنة 1962، إلا أن ذلك لا ينقص من عظمة الثورة شيئا، كون الأخطاء جزءا من البشر، لكن الحقيقة تبقى ملكا للأجيال، والدليل أن المجاهد غير المعترف به والمدعو "المطرّوش" والذي لا يزال يتأبط حماره، سأله ابنه الوحيد الذي وصل إلى رتبة محافظ شرطة: "هل أنت ناقم يا أبي لأن جزائر الاستقلال تنكرت لك؟" فكانت إجابته أنه لم يعتقد يوما أنه سيعيش إلى اليوم الذي يرى فيه فلذة كبده محافظا للشرطة وسط استقلال بلده.. في النهاية بداية التحقيق كانت من تصريح للعقيد المتقاعد أحمد بن الشريف عن حادثة إعدام شعباني لـ750 مصاليا، ونهاية التحقيق أننا اكتشفنا أن الرقم كان أكبر، ويبقى في الأخير أن أخا العقيد شعباني حينما رد على تصريحات العقيد بن الشريف الأخيرة بجريدة "الخبر الأسبوعي" رد على كل حرف وكل فاصلة وكل نقطة في تصريح الكولونيل عدا نقطة واحدة تجاهلها البتة، وهي الأهم ونعني بها قضية التحقيق، وبعبارة أخرى قضية تصفية 750 "مصاليست" أعطاهم شعباني الأمان عبر قناة العلماء والمشائخ ليخدع الجميع بعدها، ويفرق دم ضحاياه بين قبائل بسكرة والجلفة وبوسعادة بلا محاكمة ولا حق دفاع.. فقط عبر خديعة "حط أسلاحك وادخل أدوش" تمت إبادة المئات سواء عبر "الخنق" في غرفة مظلمة أو من سكين حاد في صحراء قفراء وخالية.. والموضوع للنقاش فما حدث كان "ملوزة" أكبر من ملوزة المعروفة التي تناولها الإعلام واعترف بها التاريخ، فيما تمت التغطية على واقعة شبيهتها أو أكبر منها لا تزال محفوظة في ذاكرة الكثيرين كلغم من ألغام التاريخ الذي تم تجاوزه بردمه..