بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد بن عبد الله و من تبعه في هداه أما بعد :
جئتكم اليوم حاملا لأسطر معدودات من حياة قائد و مجاهد إبان ثورة التحرير الجزائرية , و أحد رموز ولاية الجلفة الذي نادى الشعب بإسمه في شوارع المدينة , و هو الرجل الذي لا يخشى في الله لومة لائم و يعرف بكلمة الحق وبالطريق المستقيم و برجل المواقف و بالنبيل و بالمثالي و غير ذلك من الصفات المثلى , وهو الذي ما سألت عنه شخص إلا و قال من أين أبدأ . فهو غني عن التعريف في الساحة الجزائرية و خاصة إبان ثورة التحرير الكبرى , و ما يأسفني أنه في الوقت الراهن لا يعرفه إلا أصحاب المنطقة و قليل آخرون , و لهذا الغرض أردت أن أعيد لكم تلك الذكريات التي كادت أن تكون على صفحات النسيان و شمرت على يدي لتعرفون جواب السؤال من هو القائد و المجاهد بلحواجب أحمد ؟
بعد تفكير طويل و لضمان نزاهة التاريخ و لكسب أكبر قدر من المعلومات أردت بأن أتوجه إلى بيت المرحوم و المجاهد بلحواجب أحمد, فحملت ما يلزم حمله و توجهت إلى بيته فأستقبلني إبنه إسـمـــاعيل إستقبالا كدت أن أكتبه على صفحات ذكريات أبيه لأنه مرآة له , و هذا دليل على مدى تربية بلحواجب أحمد لأولاده , فجلست معه جلسة و ذكرت له نية مجيء لهم فتقبله بقبول جد رائع و قال : لست أول من يأتيني من أجل أخذ نبذه عن حياة أبي , فألتحق بنا عبد الباقي و فتحي و هما أبناء أحمد أيضا و جلسنا جلسة حميمية و استرجعنا معا ذكريات أبيهم بوثائق و صور شاهدة على العصر و من خلالها تأكد لي الأمر بأن بلحواجب أحمد أعظم بكثير مما أعرفه و مما سمعت عنه , فسألت إسماعيل و هو أكبرهم بأن يزودني بالشهادات و الصور لأضعها مع المقالة فكان لي ذلك فأعطاني بعضا منها على شكل نسخ بلونها الأصلي , و إليكم الآن نبذه مختصرة جدا للأب المثالي و القدوة و القائد و المجاهد بلحواجب أحمد :
هو
المرحوم بلحواجب أحمد بن محمد بن بايزيد من مواليد
08/08/1937 الثامن أوت ألف و تسعمئة و سبعة و ثلاثين بالجلفة
و كان هو بكر أبيه و قرة عينه , بعد ماقطع والده الأمل و ركب عليه اليأس في أن ينجب الأولاد إلا أن شاء الله أن يرزقه ولدا على عمر يناهز الثاني و الأربعين سنة , حيث كانت الفرحة عامة و دخلت البهجة إلى قلبي الوالد و الوالدة فتربى تربية العز و الدلال حتى بلغ سن الدراسة فقام والده بسجيله في المدرسة سنة 1943 في مدرسة الإخلاص حيث كان يدرس فيها اللغة العربية و في آن واحد كان يدرس اللغة الفرنسية في مدرسة أخرى كما كانت تسمى آنذاك (المدرسة العمومية للذكور) ثم واصل دراسته حتى تحصل على
شهادة الدراسة الإبتدائية سنة 26/ أفريل /1951 و كانت تعد آنذاك الشهادة النهائية.
و في سنة (1952) إشتغل موظفا بمكتب كان يسمى ( مكتب العرب ) إلى غاية (1954) حيث حبذا والده بأن يشغله بالتجارة فأستجاب لنداء والده , و في (1956) حدثت النكبة الكبرى حيث توفي والده و ترك له مسؤولية عظيمة و هي التكفل بأفراد العائلة التي تظم 8 أفراد أصغرهم كان رضيعا يبلغ من العمر 6 أشهر بالإضافة إلى والدته, فوضعت المسؤولية على عاتق بلحواجب أحمد و هو ابن (19سنة) و هو كبيرهم فعمل جاهدا على التكفل بهم و اسعادهم في هذه الحياة فكرس كل حياته و ما لديه من أجل هذه الغاية النبيلة و الحميدة .
وفي شهر نوفمبر من نفس السنة دخل بلحواجب أحمد رحمه الله عش الزوجية و هو دائما في مجال التجارة و الكد و العمل و تربية إخوته أحسن تربية و تدريسهم أحسن دراسة .
وفي سنة
1958 دخل إلى العمل مع صفوف
جبهة التحرير الوطني سرا حيث كان يبلغ من العمر
21 سنة و كان أخوه يساعده في المسؤولية العائلية مثل التجارة و الفلاحة و الأمور الأخرى , لأنه دخل حياة جهادية جديدة ضمن صفوف جبهة التحرير الوطني فكان بيته عبارة عن
مستودع للأسلحة و الأدوية و الأغطية و الألبسة التي كان يرسلها إلى المجاهدين كلما إقتضت الضرورة لذلك , و في ذلك الوقت دخل المعركة الحقيقية حيث كان هدفا للخائنين من بني جلدتنا و هم ( بني لونيس ) قاموا بتهديده و تخويفه حيث طلبوا منه أن يعمل معهم و أن يجمع التبرعات لحسابهم فرفض و وبخهم , فعلم الخائنون بوفاءه لجبهة التحرير الوطني و لأرواح الشهداء الذين سقطوا من أجل الوطن المنتهك , فأرسلوا إليه رسالة يقولون فيها حرفا بحرف :
سنقتلك حتى و إن دخلت في بطن أمك , ففي ليلتها رفع أمتعته و توجه بطريقته الخاصة و السرية إلى المجاهدين بالجزائر العاصمة و ليعيش معهم طريقة جهادية من نوع آخر في الجبال مع إخوانه , فنقطعت زيارته لبيته من تلك الليلة و ترك إخوته و والدته و زوجته و إبنتيه تبلغ الأولى سنتين و الثانية ثلاثة أشهر و بقي يجاهد مع المجاهدين قرابة السنة في الجبال بالجزائر العاصمة إلى أن استقلت الجزائر يوم (05/جويلية/ 1962) فرجع يملأه شوق و حنان إلى أهله و عائلته و خلانه .
ثم قام رفقة إخوانه ( أمخلط م , لاراف مناد.....) بإدارة و تسيير
مكتب حزب جبهة التحرير الوطني فدخل من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر , و بما أنه كان رجل مواقف و رجلا لا يخاف في الله لومة لائم و رجلا معروفا بكلمة الحق فأختاره الشعب
رئيسا للمجلس الشعبي البلدي سنة 1967 فعمل على تطوير البلاد و القضاء على البيروقراطية و الرشوة , و هذا ما يأكده كل شهود عيان , و في أواخر 1973 عين
مدير وحدة بشار للسياحة مقاولة الأشغال السياحية ببشار , و في سنة 1976عين
مديرا للمؤسسة الوطنية للتجارة بالجلفة و في أواخر هذا العام أصيب رحمه الله
بداء السـكرى , و ظل يشتغل منصب مدير عام لهذه المؤسسة التي سميت بعد ذلك ( مؤسسة توزيع التجهيزات المنزلية و المكتبية بالجلفة ) إلى غاية31/12/1985 حيث
حازت مؤسسته ست مرات على جائزة أحسن مؤسسة بالنسبة للمدخول المالي على المستوى الوطني , ثم عين
مديرا عاما لمؤسسة أسواق بالجلفة فلما وجد المؤسسة خالية على عروشها أحاط السلطات المحلية بذلك فلم يجد التغيير فألح على ذلك عدة مرات ثم أيقن أنه لا حل يوجد و لاجدوى من المسؤولين فقام بتقديم إستقالته و رفض العمل مع المشبوهين و اشتغل بتجارة الأغنام و المواشي .و بعدها إزداد عليه المرض شهرا بعد شهر و في سنة 1989كان ينتظر في ابنه البكر بلحواجب عبد القادر عز الدين لنيله شهادة مهندس فلاحة في (جامعة تيارت للفلاحة ) فشاء الله و قدر بأن يتوفى إبنه عبد القادر عز الدين رحمة الله عليه فأثر كثيرا في نفس أبيه بلحواجب أحمد لأنه كان أول ذكر يولد له , فبقي الوالد كثير التفكير و التخمين و كانت صحته تتدهور يوما بعد يوم و كان دائما يقول
( أنا راحل إلى ربي و لن يفوت على هذا العام ) , حتى أتى يوم 01/نوفمبر/1989 فسقط مريضا و ألزمه المرض الفراش و بعدها بيوم واحد نقل إلى المستشفى ليمكث فيه أربعة أيام و كان لياليها كثير الكلام , ثم نقل إلى الجزائر العاصمة يوم الأحد 05/11/1989, وليلتحق بالرفيق الأعلى يوم
الإثنين 06/نوفمبر/1989 بمستشفى مصطفى باشا على الساعة السابعة و النصف صبحا , ثم لينقل جثمانه إلى الجلفة و تتم الجنازة يوم الثلاثاء 07/11/1989 في مشهد عظيم,و جاء كل من يعرفه من أقصى البلاد إلى أدناها ,حيث أعتبرت أكبر جنازة شيعت في ولاية الجلفة بعد جنازة مسعودي عطية .
ففي ذلك الوقت فقدت الجلفة و جبال الجزائر العاصمة الرجل الذي كان يجاهد على أراضيها و فقدت مؤسسات الجلفة الرجل المدافع عنها حيث أنها فلست كلها بعده , بعد أن حازت معضمها عن جوائز, فآثار فقدان القائد بلحواجب أحمد لازالت على بعض الوجوه التي شهدت عليه إلى حد الساعة . و بعد وفاته مباشرة سميت عليه إكمالية بولاية الجلفة
إكمالية بلحواجب أحمد-1989 . و هي متواجد الآن مقابلة حي الحدائق .
و أخيرا نختم ببيتين من شعر قاله أحد أحفاد المرحوم بلحواجب أحمد :
شهدت عليك الشعوب يا أحمدا و ها أنا على الشعوب شاهدا
رحمك الله يامن به الله قد هدى إنه وقف مع الحق حتى لحدا .................
و إليكم الآن بعض الصور و الشهادات لبلحواجب أحمد: